التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وجه ملقى على الرصيف

في طريقي خارج الجامعة كان كل ما في نيتي هو تصوير بعض الأوراق المتعلقة بإحدى موادي الدراسية. كان ذلك مسالما وعاديا ولا شيء إطلاقا يمكن أن يكون غير اعتيادي بشأن مادة القياس النفسي. بعض الاختبارات المقولبة الروتينية ولم يكن هذا شيئا بشعا بقدر ما كان شيئا هادئا ولطيفا للتعامل معه.
 كانت اﻷمور كلها على ما يرام قبل أن يبزغ وجه، وجه ما مستلق هناك على إحدى اﻷغلفة، الكتب والمجلات ملقاة على الرصيف، مبعثرة هنا وهناك، وكانت هناك تطالعني، طريقة هادئة ومتبجحة تلك التي كانت تذكرني بك لمجرد تواجدها هناك.. هنا أمام عيني. عرفت منذ اللحظة اﻷولى أنها إحدى أعمال ذاك الرسام الذي تحبين ضمن آخرين متعددين.
 ما الذي أعرفه أنا عن الفن؟ لا شيء بالكاد ولكنني بطريقة ما عرفت، عرفت يقينا أنه هو وكان اسمه قابعا في مكان ما.. مكان ما بداخلي.
 حين تفتش وتفتش، لا تحتاج كثيرا من التفتيش ﻷن تفصيلا بسيطا كهذا، ملقى بتلك الطريقة، كان كافي، كافيا لاستعادة كل شيء.
هل كان ذلك كتابا من نوع ما أم مجلة أم أي شيء آخر ممكن؟ فكرت في التقاطها وفكرت ألا أفعل، مؤكد ينبغي علي ألا أفعل. تسمرت هناك.. حدقت وحدقت، فكرت في الابتعاد ولكنني بقيت هناك.
 التقطتها واتضح أنها رزنامة سنوية من نوع ما، كل صفحة تتضمن أيام شهر من أشهر العام وفي مقابلها إحدى رسوماته، بدت جميلة، جميلة للغاية، أردت الحصول عليها لأجلك ولكنك لم تكوني هنا.. لم تعودي كذلك، لم يكن ينبغي عليك أبدا أن تكوني هنا. رميتها وركضت، ركضت بعيدا بكل المقدرة على الهرب بعيدا عن كل الفوضى، كل الرعب.. عنك.. بداخلي وفي كل شيء
.. و..
آه.. كنا نتحدث عن القياس النفسي، أنه شيء هادئ، مسالم، روتيني لكن محبب وكان هذا هو كل ما يفترض أن تكون اﻷمور عليه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لقد مر عام منذ آخر مرة،  وفكرت هذه المرة أنها لا بد أن تكون أخيرا هي المرة. شيء تعيس، كان ذلك كل ما شعرت به.. التحام تلك السويعات الهانئة القصيرة بداخلها بفجيعة قاسية كتلك،  ميلاد حزين لكيان غير مرغوب.  لم يكن من المقدر للأمور أن تحدث.  وبيأس شديد كل من سبقها ردد الشيء ذاته، مرة بعد مرة.  وفكرت بالتأكيد أن هذه هي المرة. شيء تعيس، ذلك اﻷمر المتعلق بالحياة والموت.. أن يلخص الوجود كله بذلك الشكل الحزين بداخلها كانت مجرد شيء صغير، فكرت، وواهن جدا من التعيس أن تمر بذلك. الوحشة في الفكرة، الوحشة في النبذ.. كانت وحيدة جدا.. وحيدة وضئيلة. ومن غير حسبان.. شعور ما.. بزغ.. واهن وعذب بشأن تلك الفكرة، ميلاد كيان جديد، كيان ما بداخلها، الحميمية في ذلك، والقسوة في التخلي عنه كانت حزينة جدا، بشجن لا يمكن التعبير عنه لقد شعرت باﻷمر كله اﻷمر المتعلق بالحياة والموت وما بينهما  وخيال لكيان عذب وملائكي ينمو بالداخل وفي مكمن الرعب كان ثمة جمال ما يقبع هناك لكنها علمت أنه لن يتحرر أبدا لن يتحرر يوما قطرة دم ما انسالت.. وحينها.. أنتهى اﻷمر كله.

"العشب يغني"

"ربما سنتحول لآلات في النهاية.. لكن هذا مايتطلبه المجتمع الحديث وتنبغي علينا المواكبة". لم تصدق أنه قال ذلك بتلك الصراحة الفجة.. ربما كان محقا، لكن ليس لديه الحق.. قررت أنها سترحل عن المكان لأن الضجر-على أي حال- قد بدأ ينتابها. العشب كان هناك والخضرة شاسعة لكن ربما كان ذلك بالداخل وحسب. بدا الجو مناسبا بشكل غريب وغير محسوب نهايات الشتاء وتلك النسمات الحلوة والرائقة كانت تتمايل في الأرجاء. جلست هناك وخلعت معطفها كانت بلوزة خفيفة تلك التي ارتدتها مع أكمام شفافة ونسمات الهواء داعبت ذراعيها شبه المغطتين كانت أيضا هناك تلامس وجهها ورقبتها.. لم تكن مجبرة على تغطية ذلك كله كما كان الحال على الدوام كل الأجزاء منها التي لامسها الهواء..  بدت وكأنها الأكثر حياة على الإطلاق. غمرها امتنان عارم بحضور رواية بين يديها للكاتب الذي تحب تلامس العشب بأطراف أصابعها وتلامس جلدها نسمات الهواء الرقيقة شعرت بالقدر الأكبر من الحرية الذي يمكن للمرء أن يشعر به. الصخب في الخارج الطرق المزدحمة الأشخاص المكدسين كان ذلك كله في الخارج لكن في الداخل.. لم يعد هناك سوى ال