التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مصطنعة

غمرها الضجر في ذاك المساء. كانت مستلقية على السرير وكان الضجر راقدا.. بالقرب.. بجانبها. فكرت في شيء يمكن لها أن تفعله كي تزيح هذا الشعور العامر بالفراغ، أرادت أي شيء لكن أفق تفكيرها في تلك اللحظة كان محدودا للغاية ولم تستطع امتلاك أي فكرة نيرة أو ما شابه. فكرت أخيرا -وبتكاسل- في الاستمناء، لكنها تذكرت بأنها قامت بذلك سلفا في الصباح ولم تكن من النوع الذي يبلغ نشوته بسهولة لذلك كان تكرار اﻷمر سيحتاج جهدا مضنيا وعلى اﻷغلب سيكون عديم القيمة في النهاية فتخلت عن الفكرة.. لكن ربما ليس كليا. فكرت بعدها في الكتابة، تذكرت أنها كانت قد عزمت على الكتابة الحرة بشكل يومي، شيء قررته بعدما قرأت إحدى تلك النصائح الموجهة للكتاب العاجزين عن الكتابة.. اليائسين باﻷحرى كما يبدو. لكن شيئا مثلا ذلك بدا مدعاة للسخرية، في نهاية اﻷمر هي لم تكن تعرف أي شيء حر حقا وباﻷخص بشأن الكتابة.. حتى لو كانت تلك الكتابة في دفترها الذي لن يطلع عليه أحد، حتى مع ذلك.. بدا اﻷمر مستحيلا. وعلى أي حال فهي لا تعرف حاليا أي شيء يسعها الكتابة بشأنه. كانت عاجزة للغاية كآله نرجسي عاجز عن إرضاء ذاته بخلق أي كيان مكتمل، لكن لا لم تكن إلها.. كانت مجرد شيء حقير ملقى هناك.. ذهنها مقفر ورغبتها فاترة. فكرت في الكتابة بخصوص أي شيء قد خطر ببالها مؤخرا، لكن لم تكن ثمة أي أفكار مكتملة أو جديدة، كل اﻷشياء بدت مستهلكة أكثر من اللازم وكأنها قد علكتها حتى أهترأت بين فكيها، فكرت بشأن الكتابة عن الاستمناء مثلا، شيء كهذا لم تطرقه من قبل، لم تكتب عنه إطلاقا ولم تخبر شخصا بشأنه أبدا رغم أنه لطالما كان جزءا عاديا من حياتها وحيوات اﻵخرين. لكن لا.. شيء بسيط كذلك.. أساسي جدا.. بدا جريئا جدا، فج ووقح، شيء لا يمكنها الكتابة عنه ﻷن كل ما تفعله في النهاية هو اختيار كلمات لا تتجاوز السطح والتي لا يمكنها أن تؤذي أحد .. يريدون أشياءا جميلة، يريدون أحدا ليحكي عنهم في إطار العادية، لكن الاستمناء ليس جزءا من ذلك. يتعلق اﻷمر باللباقة، تريد أن تكون لبقة ومهذبة ربما، لكنها تعلم أن ذلك لن يجمل منها في نظرهم أبدا، تعلم أنهم سيبغضونها على الدوام ولا شيء سيغير من حقيقة أنها مجرد شيء نافر بنظرهم، لكنها تتمنى أحيانا وحسب..
ربما هي خائفة أكثر من اللازم.. حين تبدأ الكلمات بالتدافع لذهنها تبدأ الرقابة الذاتية بعملها التلقائي جدا والروتيني، منذ البزوغ اﻷول للفكرة.. بمجرد أن تولد أي فكرة مشكوك في استحسانها تجد من يوئدها في مهدها. تسمي ذلك قص وتعديل لكنها تعلم.. عميقا بداخلها أنه مجرد بتر وتشويه، تتحايل على حقيقة أنها تحول نفسها وكلماتها إلى شيء ممسوخ.. أنها الرقابة على الدوام، شيء موجود بالداخل أكثر مما هو عليه في أي مكان آخر، تحتفظ بداخلها بكل مايمثل كل شخص يرفضها كل ما هي عليه في جوهرها، كلهم بالداخل ينهشون كل كلمة تنبت من بين روحها وكل مايتبقى لقوله هو الهراء.. أمور لا تشبهها على اﻹطلاق. تتسائل لم لا تتحول إلى واعظة وحسب، حينها ستحظى بالقبول والرضا وبر الوالدين، تحول كتاباتها لكتابات وعظية، حينها ستكون مهرجة كليا لكن في النهاية ربما ليس صعبا على المرء أن يتحول لذلك وحينها ستتوقف عن طمحها للهرب بعيدا حين تتلائم هنا أخيرا. في النهاية تخلت عن الفكرة الكتابة كليا، وبشعور عامر بالضجر وبتكاسل شديد بدأت في الاستمناء وهي متأكدة كليا من أنها لن تبلغ أي شيء في النهاية.

تعليقات

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لقد مر عام منذ آخر مرة،  وفكرت هذه المرة أنها لا بد أن تكون أخيرا هي المرة. شيء تعيس، كان ذلك كل ما شعرت به.. التحام تلك السويعات الهانئة القصيرة بداخلها بفجيعة قاسية كتلك،  ميلاد حزين لكيان غير مرغوب.  لم يكن من المقدر للأمور أن تحدث.  وبيأس شديد كل من سبقها ردد الشيء ذاته، مرة بعد مرة.  وفكرت بالتأكيد أن هذه هي المرة. شيء تعيس، ذلك اﻷمر المتعلق بالحياة والموت.. أن يلخص الوجود كله بذلك الشكل الحزين بداخلها كانت مجرد شيء صغير، فكرت، وواهن جدا من التعيس أن تمر بذلك. الوحشة في الفكرة، الوحشة في النبذ.. كانت وحيدة جدا.. وحيدة وضئيلة. ومن غير حسبان.. شعور ما.. بزغ.. واهن وعذب بشأن تلك الفكرة، ميلاد كيان جديد، كيان ما بداخلها، الحميمية في ذلك، والقسوة في التخلي عنه كانت حزينة جدا، بشجن لا يمكن التعبير عنه لقد شعرت باﻷمر كله اﻷمر المتعلق بالحياة والموت وما بينهما  وخيال لكيان عذب وملائكي ينمو بالداخل وفي مكمن الرعب كان ثمة جمال ما يقبع هناك لكنها علمت أنه لن يتحرر أبدا لن يتحرر يوما قطرة دم ما انسالت.. وحينها.. أنتهى اﻷمر كله.

"العشب يغني"

"ربما سنتحول لآلات في النهاية.. لكن هذا مايتطلبه المجتمع الحديث وتنبغي علينا المواكبة". لم تصدق أنه قال ذلك بتلك الصراحة الفجة.. ربما كان محقا، لكن ليس لديه الحق.. قررت أنها سترحل عن المكان لأن الضجر-على أي حال- قد بدأ ينتابها. العشب كان هناك والخضرة شاسعة لكن ربما كان ذلك بالداخل وحسب. بدا الجو مناسبا بشكل غريب وغير محسوب نهايات الشتاء وتلك النسمات الحلوة والرائقة كانت تتمايل في الأرجاء. جلست هناك وخلعت معطفها كانت بلوزة خفيفة تلك التي ارتدتها مع أكمام شفافة ونسمات الهواء داعبت ذراعيها شبه المغطتين كانت أيضا هناك تلامس وجهها ورقبتها.. لم تكن مجبرة على تغطية ذلك كله كما كان الحال على الدوام كل الأجزاء منها التي لامسها الهواء..  بدت وكأنها الأكثر حياة على الإطلاق. غمرها امتنان عارم بحضور رواية بين يديها للكاتب الذي تحب تلامس العشب بأطراف أصابعها وتلامس جلدها نسمات الهواء الرقيقة شعرت بالقدر الأكبر من الحرية الذي يمكن للمرء أن يشعر به. الصخب في الخارج الطرق المزدحمة الأشخاص المكدسين كان ذلك كله في الخارج لكن في الداخل.. لم يعد هناك سوى ال

وجه ملقى على الرصيف

في طريقي خارج الجامعة كان كل ما في نيتي هو تصوير بعض الأوراق المتعلقة بإحدى موادي الدراسية. كان ذلك مسالما وعاديا ولا شيء إطلاقا يمكن أن يكون غير اعتيادي بشأن مادة القياس النفسي. بعض الاختبارات المقولبة الروتينية ولم يكن هذا شيئا بشعا بقدر ما كان شيئا هادئا ولطيفا للتعامل معه.  كانت اﻷمور كلها على ما يرام قبل أن يبزغ وجه، وجه ما مستلق هناك على إحدى اﻷغلفة، الكتب والمجلات ملقاة على الرصيف، مبعثرة هنا وهناك، وكانت هناك تطالعني، طريقة هادئة ومتبجحة تلك التي كانت تذكرني بك لمجرد تواجدها هناك.. هنا أمام عيني. عرفت منذ اللحظة اﻷولى أنها إحدى أعمال ذاك الرسام الذي تحبين ضمن آخرين متعددين.  ما الذي أعرفه أنا عن الفن؟ لا شيء بالكاد ولكنني بطريقة ما عرفت، عرفت يقينا أنه هو وكان اسمه قابعا في مكان ما.. مكان ما بداخلي.  حين تفتش وتفتش، لا تحتاج كثيرا من التفتيش ﻷن تفصيلا بسيطا كهذا، ملقى بتلك الطريقة، كان كافي، كافيا لاستعادة كل شيء. هل كان ذلك كتابا من نوع ما أم مجلة أم أي شيء آخر ممكن؟ فكرت في التقاطها وفكرت ألا أفعل، مؤكد ينبغي علي ألا أفعل. تسمرت هناك.. حدقت وحدقت، فكرت في الابتعاد ولكنني